الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
كان أبو عبيدة لما احتضر استخلف على عمله عياض بن غنم وكان ابن عمه وخاله وقيل استخلف معاذ بن جبل. واستخلف عياض بعده سعد بن حذيم الجمحي ومات سعيد فولى عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه على دمشق أخاه معاوية فاجتمعت له دمشق والأردن ومات عمر وهو كذلك وعمير على حمص وقنسرين. ثم استعفى عمير عثمان في مرضه فأعفاه وضم حمص وقنسرين إلى معاوية ومات عبد الرحمن بن أبي علقمة وكان على فلسطين فضم عثمان عمله إلى معاوية. فاجتمع الشام كله لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان. وكان يلح على عمر في غزو البحر وكان وهو بحمص كتب إليه في شأن قبرص أن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلاب قبرص وصياح دجاجهم فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه فكتب إليه: هو خلق كبير يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء. إن ركد فلق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول فكتب عمر إلى معاوية: والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً. وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله كل يوم وليلة في أن يغرق الأرض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر. وبالله لمسلم واحد أحب إلي مما حوت الروم فإياك أن تعرض لي في ذلك. فقد علمت ما لقي العلاء مني. ثم كاتب ملك الروم عمر وقاربه وأقصر عن الغزو. ثم ألح معاوية على عثمان بعده في غزو البحر فأجابه على خيار الناس وطوعهم. فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار بكل سنة. ويؤدون مثلها للروم ولا منعة لهم عن المسلمين ممن أرادهم من سواهم وعلى أن يكونوا عيناً للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم وكانت هذه الغزاة سنة ثماني وعشرين وقيل تسعة وعشرين وقيل ثلاثة وثلاثين وماتت فيها أم حرام سقطت عن دابتها حين خرجت من البحر. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك وأقام عبد الله بن قيس المحاسبي على البحر فغزا خمسين غزاة لم ينكب فيها أحد إلى أن نزل في بعض أيام في ساحل المرقى من أرض الروم فثاروا إليه فقتلوه ونجا الملاح وكان قد استخلف سفيان بن عوف الأزدي على السفن فجاء إلى أهل المرقى وقاتلهم حتى قتل وقتل معه جماعة. ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان وفي السنة الثالثة من خلافة عثمان خرج أبو موسى من البصرة غازياً إلى أهل آمد والأكراد لما كفروا وحمل ثقله على أربعين بغلة من القصر بعد أن كان حض على الجهاد مشياً. فألب الناس عليه ومضوا إلى عثمان فاستعفوه منه. وتولى كبر ذلك غيلان بن جرشة فعزله عثمان وولى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وكان ابن خمس وعشرين سنة. وجمع له جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص من عمان والبحرين. فصرف عبيد الله بن معمر عن خراسان وبعثه إلى فارس وولى على خراسان مكانه عمير بن عثمان بن سعد فأثخن فيها حتى بلغ فرغانة. ولم يدع كورة إلا أصلحها. ثم ولى عليها سنة أربع أمير بن أحمر اليشكري وعلى كرمان عبد الرحمن بن عبيس. واستعمل على سجستان في سنة أربع عمران بن الفضيل البرجمي وعلى كرمان عاصم بن عمرو فجاشت فارس وانتقضت بعبيد الله بن عمرو وجمعوا له فلقيهم بباب اصطخر فقتل عبيد الله وانهزم جنده وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة. وسار بالناس وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص وفي المجنبتين أبو برزة الأسلمي ومعقل بن يسار وعلى الخيل عمران بن حصين ولقيهم باصطخر. فقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزموا وفتح اصطخر عنوةً وبعدها دارا بجرد. وسار إلى مدينة جور وهي أردشيرخرت وكان هرم بن حيان محاصراً لها فلما جاء ابن عامر فتحها ثم عاد إلى اصطخر وقد نقضت فحاصرها طويلاً ورماها بالمجانيق واقتحمها عنوة ففني فيها أكثر أهل البيوتات والأساورة لأنهم كانوا لجأوا إليها ووطىء أهل فارس وطأة لم يزالوا منها في ذل. وكتب إلى عثمان بالفتح فكتب إليه أن يستعمل على كور فارس هرم بن حيان اليشكري وهرم بن حيان العبسي والخريت بن راشد وأخاه المنجاب من بني سلمة والبرجمان الهجيمي. وأن يفرق كور خراسان بين ستة نفر: الأحنف بن قيس على المرو وحبيب بن قرط اليربوعي على بلخ وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة وأمير بن أحمر اليشكري على طوس وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور. ثم جمع عثمان خراسان كلها لقيس واستعمل أمير بن أحمر اليشكري على سجستان ثم بعده عبد الرحمن بن سمرة من قرابة ابن عامر بن كريز. فلم يزل عليها حتى مات عثمان وعمران على كرمان وعمير بن عثمان بن مسعود على فارس وابن كريز القشيري على مكران. وخرج على قيس بن هبيرة بعد موت عثمان ابن عمه عبد الله بن حازم كما نذكره. ولما افتتح ابن عامر فارس أشار عليه الناس بقصد خراسان وكانوا قد انتقضوا فسار إليها وقيل عاد إلى البصرة واستخلف على فارس شريك بن الأعور الحارثي فبنى مسجدها. فلما دخل البصرة أشار عليه الأحنف بن قيس وحبيب بن أوس بالمسير إلى خراسان فتجهز واستخلف على البصرة زياد بن أبيه وسار إلى كرمان وقد نكثوا فبعث لحربهم مجاشع بن مسعود السلمي ولحرب سجستان الربيع بن زياد الحارثي. وسار هو إلى حوالي نيسابور. وتقدمهم الأحنف بن قيس إلى الطبسين حصنان هما بابا خراسان فصالحه أهلها وسار إلى قوهستان فقاتل أهلها حتى أحجرهم في حصنهم ولحقه ابن عامر فصالحوه على ستمائة ألف درهم. وقيل كان المتولي حرب قوهستان أمير بن أحمر اليشكري. ثم بعث ابن عامر السرايا إلى أعمال نيسابور ففتح رستاق رام عنوة وباخرز وجيرفت عنوة. وبعث الأسود بن كلثوم بن عدي الرباب وكان ناسكاً إلى بيهق من أعمالها. فدخل البلد من ثلمة كانت في سورها وقاتل حتى قتل وظفر أخوه أدهم بالبلد. وفتح ابن عامر بشت بالشين المعجمة من أعمال نيسابور ثم اسفارين ثم قصد نيسابور. وبعدها استولى على أعمالها فحاصرها شهراً وكان بها أربع مرازبة من فارس فسأل واحد منهم الأمان على أن يدخلهم ليلاً وفتح لهم الباب وتحصن الأكبر منهم في حصنها حتى صالح على ألف ألف درهم. وولى ابن عامر على نيسابور قيس بن الهيثم السلمي. وبعث جيشاً إلى نساوابورد. فصالحهم أهلها وآخر إلى سرخس فصالحوا مرزبانها على أمان مئة رجل لم يدخل فيها نفسه فقتله واقتحمها عنوة. وجاء مرزبان طوس فصالحه على ستمائة ألف درهم وبعث جيشاً إلى هراة مع عبد لله بن حازم فصالح مرزبانها على ألف ألف درهم. ثم بعث مرزبان مرو فصالح على ألف ألف ومائتي ألف. وأرسل إليه ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلي ثم بعث الأحنف بن قيس إلى طخارستان فصالح في طريقه رستاقاً على ثلاثمائة ألف وعلى أن يدخل رجل يؤذن فيه ويقيم حتى ينصرف. ومر إلى مرو الروذ وزحف إليه أهلها فهزمهم وحاصرهم وكان مرزبانها من أقارب باذان صاحب اليمن فكتب إلى الأحنف متوسلاً بذلك في الصلح فصالحه على ستمائة ألف. ثم اجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب في جمع عظيم ولقيهم الأحنف فقاتلهم قتالاً شديداً ثم انهزموا فقتلوا قتلاً ذريعاً. ورجع الأحنف إلى مرو الروذ وبعث الأقرع بن حابس إلى فلهم بالجوزجان فهزمهم وفتحها عنوة. ثم فتح الأحنف الطالقان صلحأ والفارياب صلحاً. وقيل بل فتحها أمير بن أحمر. ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارستان فصالحوه على أربعمائة ألف وقيل سبعمائة واستعمل عليها أسيد بن المنشمر. ثم سار إلى خوارزم على نهر جيحون فامتنعت عليه فرجع إلى بلخ وقد استوفى أسيد قبض المال وكتبوا إلى ابن عامر. ولما سار مجاشع بن مسعود إلى كرمان كما ذكرناه وكانوا قد انتقضوا ففتح هميد عنوة وبنى بها قصراً ينسب إليه. ثم سار إلى السيرجان وهي مدينة كرمان فحاصرها وفتحها عنوة وجلى كثيراً من أهلها. ثم فتح جيرفت عنوة ودوخ نواحي كرمان وأتى القفص وقد تجمع له من العجم من أهل الجلاء. وقاتلهم فظفر وركب كثير منهم البحر إلى كرمان وسجستان. ثم نزل العرب إلى منازلهم وأراضيهم وسار الربيع بن زياد الحارثي بولاية ابن عامر كما قدمناه إلى سجستان فقطع المفازة من كرمان حتى أتى حصن زالق فأغار عليهم يوم المهرجان وأسر دهقانهم فافتدى بما غمر عنزة قاعة من الذهب والفضة صالحوه على صلح فارس وصار إلى زريخ ولقبه المشركون دونها فهزمهم وقتلهم وفتح حصوناً عدة بينها وبينه. ثم انتهى إليها وقاتله أهلها فاحجرهم وحاصرهم وبعث مرزبانها في الأمان ليعضد فأمنه وجلس له على شلو من أشلاء القتلى وارتفق بآخر وفعل أصحابه مثله. فرعب المرزبان من ذلك وصالح على ألف جام من الذهب يحملها ألف وصيف. ودخل المسلمون المدينة ثم سار منها إلى وادي سنارود فعبره إلى القرية التي كان رستم الشديد يربط بها فرسه فقاتلهم وظفر بهم وعاد إلى زريخ فأقام بها سنة ثم سار بها إلى ابن عامر واستخلف عليها عاملاً فأخرجوه وامتنعوا. فكانت ولاية الربيع سنة ونصف سنة سبى فيها أربعين ألف رأس وكان الحسن البصري يكتب له. ثم استعمل عامر على سجستان عبد الرحمن بن سمرة فسار إليها وحاصر زريخ حتى صالحوه على ألفي ألف درهم وألفي وصيف وغلب على ما بينهما وبين الكش من ناحية الهند وعلى ما بينها وبين الدادين من ناحية المرجح. ولما انتهى إلى بلد الدادين حاصرهم في بلد الزور حتى صالحوه ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان. فأخذهما وقطع يده وقال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر وإنما قصدت أنه لا يضر ولا ينفع. ثم فتح كامل وزابلستان وهي بلاد فتحها صلحاً. ثم عاد إلى زريخ إلى أن اضطرب أمر عثمان فاستخلف عليها أمير بن أحمر وانصرف فأخرجه أهلها وانتقضوا. ولما كمل الفتح لابن عامر في فارس وخراسان وكرمان سجستان قال له الناس: لم يفتح لأحد ما فتح عليك فقال: لا جرم لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرماً من موقفي هذا. فاحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم فسار قيس في أرض طخارستان ودوخها وامتنع عليه أهل سنجار وافتتحها ولاية سعيد بن العاص الكوفة كان عثمان لأول ولايته قد ولى على الكوفة الوليد بن عقبة استقدمه إليها من عمله بالجزيرة وعلى بني تغلب وغيرهم من العرب. فبقي على ولاية الكوفة خمس سنين وكان أبو زبيد الشاعر قد انقطع إليه من أخواله بني تغلب ليد أسداها إليه وكان نصرانياً فأسلم على يده وكان يغشاه بالمدينة والكوفة. وكان أبو زبيد يشرب الخمر وكان بعض السفهاء يتحدث بذلك في الوليد لملازمته إياه. ثم عدا الشباب من الأزد بالكوفة على رجل من خزاعة فقتلوه ليلاً في بيته وشهد عليهم أبو شريح الخزاعي فقتلهم الوليد فيه بالقسامة. وأقام آباءهم للوليد على حقه وكانوا ممن يتحدثون فيه وجاءوا إلى ابن مسعود بمثل ذلك. فقال: لا نتبع عورة من استتر عنا. وتغيض الوليد من هذه المقالة وعاتب ابن مسعود عليها. ثم عمد أحد أولئك المرهط إلى ساحر قد أتى به الوليد فاستفتى ابن مسعود فيه وافتى بقتله. وحبسه الوليد ثم أطلقه فغضبوا وخرجوا إلى عثمان شاكين من الوليد وإنه يشرب الخمر. فاستقدمه عثمان وأحضره وقال رأيتموه يشرب قالوا لا وإنما رأيناه يقيء الخمر. فأمر سعيد بن العاص فجلده وكان علي حاضراً فقال: انزعوا خميصته للجلد. وقيل أن علياً أمر ابنه الحسن أن يجلده فأبى فجلده عبد الله بن جعفر. فلما بلغ أربعين قال أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة. ولما وقعت هذه الوقعة عزل عثمان الوليد عن الكوفة وولى مكانه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية مات سعيد الأول كافرأ وكان يكنى أحيحة وخالد ابنه عم سعيد الثاني ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعاء وكان يكتب له واستشهد يوم مرج الصفر. وربي سعيد الثاني في حجر عثمان فلما فتح الشام أقام مع معاوية ثم استقدمه عثمان وزوجه وأقام عنده حتى كان من رجال قريش. فلما استعمله عثمان وذلك سنة ثلاثين سار إلى الكوفة ومعه الأشتر وأبو خيفة الغفاري وجندب بن عبد الله والصعب بن جثامة وكانوا شخصوا مع الوليد ليعينوه فصاروا عليه. فلما وصل خطب الناس وحذرهم وتعرف الأحوال وكتب إلى عثمان أن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب الروادف والتابعة على أهل الشرف والسابقة. فكتب إليه عثمان أن يفضل أهل السابقة ويجعل من جاء يعدهم تبعأ ويعرف لكل منزلته ويعطيه حقه. فجمع الناس وقرأ عليهم كتاب عثمان وقال: أبلغوني حاجة في الحاجة. وجعل القراء في سمرة فلم ترض أهل الكوفة ذلك وفشت المقالة وكتب سعيد إلى عثمان فجمع الناس واستشارهم فقالوا أصبت لا تطمع في الأمور من ليس لها بأهل فتفسد فقال: يا أهل المدينة! إني أرى الفتن دبت إليكم. وإني أرى أن أتخلص الذي لكم وانقله إليكم من العراق فقالوا وكيف ذلك قال تبيعونه ممن شئتم بمالكم في الحجاز واليمن ففعلوا ذلك واستخلصوا ما كان لهم بالعراق منهم طلحة ومروان والأشعث بن قيس ورجال من القبائل اشتروا ذلك بأموال كانت لهم بخيبر ومكة والطائف. غزو طبرستان وفي هذه السنة غزا سعيد بن العاص طبرستان ولم يغزها أحد قبله. وقد تقدم إن الأصبهبذ صالح سويد بن مقرن عنها أيام عمر على مال فغزاها سعيد في هذه السنة ومعه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الحسن والحسين وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وحذيفة بن اليمان في غيرهم. ووافق خروج ابن عامر من البصرة إلى خراسان فنزل نيسابور ونزل سعيد قومس وهي صلح كان حذيفة صالحهم عليه بعد نهاوند فأتى سعيد جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى متاخماً جرجان على البحر فقاتله أهلها. ثم سألوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً. وفتحوا فقتلهم أجمعين إلا رجلاً وقتل معهم محمد بن الحكم بن أبي عقيل جد يوسف بن عمرو وكان أهل جرجان يعطون الخراج تارةً مئة ألف وأخرى مائتين وثلاثمائة وربما منعوه. ثم امتنعوا وكفروا فانقطع طريق خراسان من ناحية قومس إلا على خوف شديد. وصار الطريق إلى خراسان من فارس كما كان من قبل حتى ولي قتيبة بن مسلم خراسان وقدمها يزيد بن المهلب فصالح المرزبان وفتح البحيرة ودهستان وصالح أهل جرجا على صلح سعيد. غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف وفي سنة ثلاثين هذه صرف حذيفة من غزو الري إلى غزو الباب مدداً لعبد الرحمن بن ربيعة وأقام له سعيد بن العاص بأذربيجان ردءاً حتى عاد بعد مقتل عبد الرحمن كما مر فأخبره بما رأى من اختلاف أهل البلدان في القرآن وأن أهل حمص يقولون: قراءتنا خير من قراءة غيرنا وأخذناها عن المقداد وأهل دمشق يقولون كذلك وأهل البصرة عن أبي موسى وأهل الكوفة عن ابن مسعود. وأنكر ذلك واستعظمه وحذر من الاختلاف في القرآن ووافقه من حضر من الصحابة والتابعين وأنكر عليه أصحاب ابن مسعود فأغلظ عليهم وخطأهم فأغلظ له ابن وسار حذيفة إلى عثمان فأخبره وقال: أنا النذير العريان فأدرك الأمة. فجمع عثمان الصحابة فرأوا ما رآه حذيفة فأرسل عثمان إلى حفصة أن ابعثي إلينا بالصحف ننسخها وكانت هذه الصحف هي التي كتبت أيام أبي بكر فإن القتل لما استحر في القراء يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: أرى أن تأمر بجمع القرآن لئلا يذهب الكثير منه لفناء القراء فأبى أولاً وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله. ثم استبصر ورجع إلى رأي عمر وأمر زيد بن ثابت بجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال. وكتب في الصحف فكانت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة. وأرسل عثمان فأخذها. وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال: إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش ففعلوا ونسخوا المصاحف فبعث إلى كل أفق بمصحف يعتمد عليه وحرق ما سوى ذلك فقبل ذلك الصحابة في سائر الأمصار ونكره عبد لله بن مسعود في الكوفة حتى نهاهم عن ذلك وحملهم عليه. مقتل يزدجرد لما خرج ابن عامر من البصرة إلى فارس وافتتحها هرب يزدجرد من جور وهي أردشير خره في سنة ثلاثين فبعث ابن عامر في أثره مجاشع بن مسعود وقيل هرم بن حيان اليشكري وقيل العنسي فاتبعه إلى كرمان فهرب إلى خراسان. وهلك الجند في طريقهم بالثلج فلم يسلم إلا مجاشع ورجل معه وكان مهلكهم على خمسة فراسخ من السيرجان. ولحق يزدجرد بمرو ومعه خرزاذ أخو رستم فرجع عنه إلى العراق ووصى به ما هو به مرزبان مرو فسأله في المال فمنعه وخافه على نفسه وعلى مرو. واستجاش الترك فبيتوه وقتل أصحابه وهرب يزدجرد ماشياً إلى شط المرغاب وآوى إلى بيت رجل ينقل الأرحاء فلما نام قتله ورماه في النهر وقيل إنما بيته أهل مرو. ولما جاءوا إلى بيت لرجل أخذوه وضربوه فأقر بقتله فقتلوه وأهله واستخرجوا يزدجرد من النهر وحملوه في تابوت إلى اصطخر فدفن في ناوس هنالك. وقيل إن يزدجرد هرب من وقعة نهاوند إلى أرض أصبهان واستأذن عليه بعض رؤسائها وحجب فضرب البواب وشجه فرحل عن أصبهان إلى الري. وجاء صاحب طبرستان وعرض عليه بلاده فلم يجبه ومضى من فوره ذلك إلى سجستان ثم إلى مرو في ألف فارس. وقيل بل أقام بفارس أربع سنين ثم بكرمان سنتين وطلبه دهقانها في شيء منعه فطرده عن بلاده. وأقام بسجستان خمس سنين ثم نزل خراسان ونزل مرو ومعه الرهن من أولاد الدهاقين وفرخزاذ وكاتب ملوك الصين. وفرغانة والخزار وكابل، وكان دهقان مرو قد منعه الدخول خوفاً من مكره ووكل ابنه بحفظ الأبواب فعمد يزدجرد يومأ إلى مرو ليدخلها فمنعه ابن الدهقان وأظهر عصيان أبيه في ذلك. وقيل بل أراد يزدجرد أن يجعل ابن أخيه دهقاناً عليها فعمل في هلاكه وكتب إلى نيزك طرخان يستقدمه لقتل يزدجرد ومصالحة العرب عليه وأن يعطيه في اقتناعه كل يوم ألف درهم كتب نيزك إلى يزدجرد يعده المساعدة على العرب وإنه يقدم عليه فيلقاه منفرداً عن العسكر وعن فرخزاذ فأجابه إلى ذلك بعد أن امتنع فرخزاذ واتهمه يزدجرد في امتناعه فتركه لشأنه بعد أن أخذ خطه برضاه بذلك. وسار إلى نيزك فاستقبله بأشياء وجاء به إلى معسكره ثم سأله أن يزوجه ابنته فأنف يزدجرد من ذلك وسبه. فعلا رأسه بالمقرعة فركض منهزمأ وقتل أصحابه وانتهى إلى بيت طحان فمكث فيه ثلاثاً لم يطعم ثم عرض عليه الطعام فقال لا أطعم إلا بالزمزمة فسأل من زمزم له حتى أكل ووشى المزمزم بأمره إلى بعض الأساورة فبعث إلى الطحان بخنفه وإلقائه في النهر فأبى من ذلك وجحده فدل عليه ملبسه وعرف المسك فيه فأخذوا ما عليه وخنقوه وألقوه في الماء فجعله أسقف مرو في تابوت ودفنه. وقيل بل سار يزدجرد من كرمان قبل وصول العرب إليها إلى مرو في أربعة آلاف على الطبسين وقهستان ولقيه قبل مرو قائدان من الفرس متعاديين فسعى أحدهما في الآخر ووافقه يزدجرد في قتله ونمى الخبر إليه فبيت يزدجرد وعدوه فهرب إلى رحى على فرسخين من مرو وطلب منه الطحان شيئاً فأعطاه منطقته. فقال إنما أحتاج إلى أربعة دراهم فقال: ليست معي ثم نام فقتله الطحان وألقى شلوه في الماء. وبلغ خبر قتله إلى المطران بمرو فجمع النصارى وعظم عليهم من حقوق سلفه فدفنوه وبنوا له ناووساً وأقاموا له مأتماً بعد عشرين سنة من ملكه ستة عشر منها في محاربة العرب. وانقرض ملك الساسانية بموته. ويقال: إن قتيبة حين فتح الصغد وجد جاريتين من ولد المخدج ابنه قد وطئا أمه بمرو فولدت هذا الغلام بعد موته ذاهب الشق فسمي المخدج وولد له أولاد بخراسان. وجد قتيبة هاتين الجاريتين من ولده فبعث بهما إلى الحجاج وبعث بهما إلى الوليد أو بأحدهما فولدت له يزيد الناقص. ظهور الترك بالثغور كان الترك والخزر يعتقدون أن المسلمين لا يقتلون لما رأوا من شدتهم وظهورهم في غزواتهم حتى أكمنوا لهم في بعض الغياض فقتلوا بعضهم فتجاسروا على حربهم. وكان عبد الرحمن بن ربيعة على ثغور أرمينيا إلى الباب استخلفه عليها سراقة بن عمر وأقره عمر وكان كثير الغزو في بلاد الخزر وكثيراً ما كان يغزو بلنجر وكان عثمان قد نهاه عن ذلك فلم يرجع. فغزاهم سنة اثنين وثلاثين وجاء الترك لمظاهرتهم وتذامروا فاشتدت الحرب بينهم. وقتل عبد الرحمن كما مر وافترقوا فرقتين: فرقة سارت نحو الباب لقوا سلمان بن ربيعة قد بعثه سعيد بن العاص من الكوفة مدداً للمسلمين بأمر عثمان فساروا معه وفرقة سلكوا على جيلان وجرجان فيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة. ثم استعمل سعيد بن العاص على الباب سلمان بن ربيعة مكان أخيه وبعث معه جندأ من أهل الكوفة حذيفة بن اليمان وأمدهم عثمان بحبيب بن مسلمة في جند الشام وسلمان أمير على الجميع. ونازعه حبيب الأمارة فوقع الخلاف. ثم غزا حذيفة بعد ذلك ثلاث غزوات عند آخرها مقتل عثمان. وخرجت جموع الترك سنة اثنين وثلاثين من ناحية خراسان في أربعين ألفا عليهم قارن من ملوكهم فانتهوا إلى الطبسين. واجتمع له أهل بادغيس وهراة وقهستان وكان على خراسان يومئذ قيس بن الهيثم السلمي استخلفه عليها ابن عامر عند خروجه إلى مكة محرماً فدوخ جهتها وكان معه ابن عمه عبد الله بن حازم فقال لابن عامر: اكتب لي على خراسان عهداً إذا خرج منها قيس ففعل فلما أقبلت جموع الترك قال قيس لابن حازم: ما ترى قال أرى أن تخرج عن البلاد فإن عهد ابن عامر عندي بولايتها فترك منازعته وذهب إلى ابن عامر. وقيل أشار عليه أن يخرج إلى ابن عامر يستحده فلما خرج أظهر عهد ابن عامر له بالولاية عند مغيب قيس. وسار ابن حازم للقاء الترك في أربعة آلاف ولما التقى الناس أمر جيشه بإيقاد النار في أطراف رحالهم فهاج العدو على دهش وغشيهم ابن حازم بالناس متتابعين فانهزموا وأثخن لم المسلمون فيهم بالقتل والسبي. وكتب ابن حازم بالفتح إلى ابن عامر فأقره على خراسان فلم يزل والياً عليها إلى حرب الجمل. فأقبل إلى البصرة. وبقي أهل البصرة بعد غزوه ابن حازم هذه حتى غزوا المنتقضين من أهلها وعادوا جهزوا كتيبة من أربعة آلاف فارس هنالك.
|